Search Box

الرئيسية أين كنت ؟؟؟

أين كنت ؟؟؟

".. يجب ألا تخشى ذهابك إلى الجحيم كلما طرق بابك , يجب أن تتخلص من كل هواجسك , يجب أن تخشى من الظلمة والجلوس بمفردك , يجب ألا تخاف من الحياة لأنك فرد فيها , واعلم أنه كلما نزل المطر سيكون الخير فيها , هي مجرد أوهام تزرعها في مخيلتك وتجعلك في هروب دائم , وتجعلك تخشى مواجهة الأشياء , لا يجدر بك أن تبكي أو تحزن , هناك خارج كوخك الصغير شمس دافئة وحياة تسير , لا تحبس نفسك في تفاهات وخوف على مدى الأيام .. تحرر !! .. هي مجرد خطوات وقرار صغير وستخرج من عزلتك , ادفع بنفسك للحياة حتى وإن كنت ثقيل عليها .. ففي يوم ما ستتحملك وستساعدك !! .." كنت هناك في زاوية غرفتي الخشبية المليئة بالعناكب , ومن أكثرها "الأرملة السوداء" .. أحب كل شيء كما هو وأراقب عمل الطبيعة , أغلقت كل النوافذ منذ زمن بعيد ولم أفتحها منذ ذلك الحين .. أنا مبرمج على العيش في الظلمة , إعتقدت دائما أنني ملقى في الفضاء ولم يخطر على بالي أنني أعيش على كوكب أخضر مليء بالحياة , لم أدر كيف يكون شكلي وإلى أي الكائنات أنتمي ! سوى شعور بأني موجود وسوى سكوت وسوى ظلام دامس .. لكني استطعت أن أحلم بتلك الرسالة مع أني لم أتعلم شيء طيلة وجودي في الكوخ , لم أتعلم سوى لغة الظلام والخوف ... كم أشكر ذاك الشخص الذي أرسلها لي وأرادني أن أقرأها ..

هكذا أقرر وبسرعة أن أكسر باب كوخي وألتقي بأشياء جديدة .. وأسماء جديدة , لا شيء يدعوا للقلق حقا !! يا للألم , يا للألم ! ما هذا الشيء الأبيض الناصع ؟ إنه يسمى "نور" , كان قراري متسرعا , لكن بدون التسرع لن أحقق شيء .. عدت لظلامي وعزلتي لأنني لم أحتمل الألم .. فقط ابتعدت عن الباب داخلا وأنظر قليلا قليلا لذلك النور الأبيض .. لم أستطع أن أتأقلم إلا بعد وقت طويل .. وعندما خرجت كان هناك ظلام حالك خارجا , إنه يسمى "الليل" .. كسرت كوخي وحطمته وبت أسير ببطئ فقد شعرت بالألم في كل مكان من جسمي , يا له من عالم جميل , هناك نباتات وحشرات وهواء وسماء واسعة وأرض منبسطة ... أين كنت طوال تلك السنين ؟ .

إنها غابة .. حقا هي غابة !! نعم أنا في غابة !! بكل تأكيد أنا في غابة !! يا للفرح .. وبت أغني بلغة جديدة وأتعلم من الكائنات وتعلمت المشي شيئا فشيئا .. وعلى سطح الماء رأيت صورتي , لقد كنت جميلا .. لكن للأسف , لم أعرف إلى أي الكائنات أنتمي ! وخلال رحلة بحثي عن ذاتي أدركت جمال الكوكب الذي أقيم عليه .. وكم أضعت على نفسي سنين من المرح , وأوبخ نفسي وأقول .. أين كنت ؟ .

كم كنت آمل أن أعثر على ذاتي وعلى الكائنات التي أنتمي إليها وتنتمي إلي .. عندها نمت تحت غصن كبير وجذع كبير ولأول مرة أشعر بشعور جميل , لقد حلمت .. نعم حلمت بأشياء جميلة .. هناك العديد من الكائنات الجميلة التي تشبهني .. العديد منهم , ومعهم عشت حياتي .. ولكني رأي الجميع مثلي ويشبهونني .. أنا أتمدد وأحرك رأسي عندما لمحت ذلك الشيء الأبيض الذي يسمى "نور" قد حط على عيني .. ما زلت أتألم , لذا لازمت جذع الشجرة وأنا أحضنه بقوة مغمض العينين .. لم أحضن شيء من قبل أبدا , لذا أحببت تلك الشجرة وقررت المبيت تحتها حتى أجد ذاتي .. ليل ونور آخر وليل ونور آخر وليل ونور آخر .. كائنات جديدة تتحرك استطعت العثور عليها لكنها لا تشبهني .. كم زرت تلك البركة لأتأكد من شكلي .. لكن لا يوجد شيء يشبهني , لقد يأست وحزنت وجلست تحت الجذع وبكيت لأول مرة .. لكني تذكرت الرسالة وتذكرت كلامها .. فما عدت أبكي ونمت وسلمت نفسي للنوم , ولم أحلم عندها شيء ..

أصوات جديدة وحركة قريبة مني .. نعم أصوات غير مألوفة لدي , ربما كائنات من نوع جديدة .. إنه الليل وفيه أرى كل شيء بوضوح , تتبعت الصوت واختبأت تحت الأعشاب ... أراقب بحذر وأستمع , فعلا صوت جديد كليا ولكن لم أرى أية كائنات .. اقتربت أكثر حتى باتت واضحة أمامي , كائنات تحمل ذلك الشيء الذي يسمى "نور" لقد رأيتها , إنها تقف على قدمين وتتحرك مثلي ... إنها هي , نعم , نعم , يا للفرحة ! , قفزت أمامهم فجأة وأخذوا يصرخون بصوت عالي .. وأطلقوا علي شيء مفزع , أصابوني في كتفي ونزفت شيء أحمر يدعى "دم" ... آخر ما سمعته منهم هذه الكلمات .. يا رجال , إنه إنسان .. لقد أصبناه , احملوه بسرعة .. سررت جدا .. نعم أنا أدعى "إنسان" .. أنا "إنسان" .. 

فتحت عيني شيئا فشيا لأجد ما كنت قد حلمت به .. هناك العديد من الكائنات تشبهني تقريبا تحوم حولي وأنا نائم على شيء عالي يدعى "سرير" .. ابتسموا جميعا , كانوا يتكلمون وأذكر ما قالوا .. إنه يصحوا , إنه بخير .. والجميع يحاول النظر إلي , تبسمت لهم وبذلت جهدي حتى ألمسهم , لكني لم أستطع .. حاولت جاهدا مد يدي , فقبل أن تسقط التقطها أحد الـ "الإنسان" , كائن يدعى "إنسان فتاة" أمسك بيدي بشدة وأنا أحاول أن أتشبث به أكثر وقد بكيت .. نعم بكيت , عندها جلبت لي تلك الـ "إنسان فتاة" شيء ومسحت دموعي .. 


لقد شفيت بسرعة وأصبحت في حضن "إنسان" يدعى "إمرأة" , تسألني دائما والجميع يسألني .. من أنت أيها الصبي , من أين أتيت , أين أمك ؟ لكنني لا أجيد التحدث لذا بقيت صامتا .. أمضيت وقتا طويل عندهم وأنا ألعب مع "إنسان فتاة" .. كان شيء رائع أن تجد ذاتك , وشيء رائع أن تعرف إلى من تنتمي ... تعلمت منهم أشياء كثيرة حتى التكلم .. لكنني لم أتعلم من يكون "أبي" أو من تكون "أمي" أبدا .. ولم أتعلم كيف وصلت لذلك الكوخ والحياة في الظلام .. تعلمت شيء يسمى "الظلم" وأخبروني أنها صفة سيئة ... تلك أول صفة سيئة لكائن "الإنسان" قد تعلمتها .. لكنني لم أحبذ يوما أن أجربها أبدا .. أبدا ..

لقد كبرت وأصبحت رجلا , و "إنسان فتاة" التي كنت ألعب معها في بداية تعرفي على ذاتي قد أحببتها جدا , الآن هي زوجتي ولن أعيش لحظة أخرى مثل تلك اللحظة التي عشتها معها .. أنا أكتب الآن لكم قصتي من على مكتب صغير وزوجتي بجانبي .. أحببت دائما أن أطلق عليها "إنسان فتاة" .. التشرد لم يكن شيء جميل , لكنه علمني أشياء جميلة وخضت مغامرة حقيقية لا أدري إن خاضها "إنسان" من قبلي ... وأنا بجانب زوجتي لم أعد أسأل نفسي "أين كنت؟" .

مذكرات إنسان مشرد .

يتم التشغيل بواسطة Blogger.