Search Box

الرئيسية ما هو الاجتهاد

ما هو الاجتهاد





الاجتهاد

الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد، وهو الطاقة، ولا يستعمل إلا فيما يحتاج إلى كلفة ومشقة. وفي اصطلاح علماء أصول الفقه الإسلامي: هو استفراغ الجهد في إدراك الأحكام الشرعية من أدلتها المقررة شرعاً، أو هو عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية في الشريعة، أو استنفاد الطاقة للوصول إلى الحكم من مصدره الشرعي.

مصادر الاجتهاد وطريقته
ليس الاجتهاد عند أكثر العلماء مقصوراً على القياس: وهو إلحاق الأمور بأشباهها المنصوص عليها. وإنما يشمل كل ما لا نص فيه وما فيه نص، سواء في العبادات أم المعاملات، وسواء قصد به التحقق من ثبوت النص النبوي، أم بيان المراد من النص كالإيجاب والندب والعموم والإطلاق والتقييد، أم النظر فيما لا نص فيه بالإجماع أو القياس أو الاستحسان أو الاستصلاح أو العرف أو سد الذرائع أو الاستصحاب أو شَرْعُ مَنْ قَبلَنا الثابت الصحة، ونحو ذلك من مصادر التشريع، أم بأمارات أخرى يرشد إليها العقل السليم، كقواعد لزوم دفع الضرر المحتمل، وقبح العقاب بلا بيان وغيرها، واستعمال الرأي أو العقل، كاجتهاد أبي بكر في الكلالة وقوله: «إنها ما عدا الوالد والولد».

وأمثلة الاجتهاد: اشتراط النية في العبادات والطهارة في الطواف، والعلم بالمبيع والثمن والمأجور والأجرة، وضوابط تطبيق الحدود الشرعية والعقوبات التعزيرية الأخرى، وإناطة ذلك بالحكم، أي الدولة، وقواعد المعاهدات في الإسلام.

وقصر الإمام الشافعي الاجتهاد بمعنى الاستنباط على القياس على أمر ورد في الكتاب أو في السنة. وأضاف إلى ذلك الاستدلال بالأصول، أي الاجتهاد بالمفهوم العام.

ولم يُجز الظاهرية الاجتهاد في غير دائرة النص قط، واقتصرت المصادر عندهم على القرآن والسنة وإجماع الصحابة فقط، وأنكروا العمل ببقية المصادر الاجتهادية، ومنها شَرْع مَ‍نْ قبلنا.

وعمل أغلب الأئمة بجميع مصادر الاجتهاد وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد وجابر بن زيد مؤسس مذهبالإباضية وزيد بن علي زين العابدين مؤسس مذهب الزيدية. إلا أن الزيدية إذا عدمت هذه الأدلة جعلوا للعقل سلطاناً على معرفة ما في الأفعال من حسن وقبح، فرأوا مثلاً في الحظر والإباحة: أنه ليس الأصل في الأشياء الإباحة، وإنما ما يراه العقل في الأشياء من نفع أو ضرر، فالعقل عندهم هو الحاكم إذا لم يقم دليل، وعلى هذا فلا يقولون باستصحاب الإباحة الأصلية.

ويرى الشيعة الجعفرية أن أدلة الأحكام الشرعية منحصرة في الكتاب والسنة ثم الإجماع ثم العقل، والمراد بالإجماع: اتفاق جماعة يكشف اتفاقهم عن رأي الإمام المعصوم. ولا يأخذون بالقياس والاستحسان، ولكن عندهم أصولاً أخرى يعتمدون عليها هي القواعد الشرعية. ويراد بدليل العقل عندهم الأصول الأربعة: البراءة، والاحتياط، والتخيير، والاستصحاب.

والاجتهاد في محاكم القضاء اليوم يطلق على المسلك الذي يتبعه القضاة في أحكامهم، سواء منها ما يتعلق بنصوص القانون، أو باستنباط الحكم الواجب تطبيقه عند عدم النص. ومجاله ضعيف في بلادنا التي لها قوانين مدونة، ويكثر الاعتماد عليه في الدول التي ليس لها قانون مدون جامع مثل إنكلترة، وهذا هو العرف العام، ويتقيد الحاكم فقط باجتهاد المحاكم العليا.

والمنهج العام للمجتهد أو طريقة الاجتهاد إذا وقعت حادثة أو أراد المسلم معرفة حكم الشرع في مسألة: أن ينظر العالم المجتهد المتمكن من البحث والنظر أولاً في النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله، سواء في دلالة النص أو ظواهر النصوص بمنطوقها ومفهومها، مقدِّماً القرآن على السنة، ثم ينظر في إجماع العلماء ثم في القياس، ويلاحظ القواعد الكلية أولاً ويقدِّمها على الجزئيات، ثم يأخذ بالمصادر الاجتهادية الأخرى كالاستحسان والاستصلاح (المصالح المرسلة) والعرف، وسد الذرائع، ومذهب الصحابي، والاستصحاب.

الحكم الشرعي
الاجتهاد أصل من أصول الشريعة وهو مشروع بدلالة القرآن والسنة وفعل الصحابة، قال الله تعالى: )إِنَّا أَنْزَلْنَا إِليْك الكتَاب بالحقِّ لتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ( (النساء: 105) فهذا يتضمن إقرار الاجتهاد بطريق القياس، وطالب القرآن الكريم بالتفكر والتدبر في أحكام الشرع وغيرها، فقال تعالى: )إِنَّ في ذلكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون( (الرعد:3) و )يَعْقِلوْن( (الرعد:4).

وقال النبيr فيما أخرجه الجماعة عن عمرو بن العاص وغيره: «إذا حكم الحاكم، فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر». وأجمع الصحابة على الاجتهاد، فكانوا إذا حدث لهم حادثة شرعية من حلال أو حرام، اجتهدوا إن لم يجدوا نصاً أو خبراً في الكتاب أو في السنة.

والاجتهاد: إما فرض عين على المجتهد في حق نفسه فيما طرأ له من حوادث، أو إذا سئل عن حادثة وقعت، وخاف فوتها على غير وجهها الشرعي، ولم يوجد غيره، لأن عدم الاجتهاد يقضي بتأخير البيان عن وقت الحاجة وهو ممنوع شرعاً.

وإما فرض كفاية إذا لم يخف فوت الحادثة على نحو شرعي ووجد غيره من المجتهدين، فيجب على أحدهم الاجتهاد، فإذا اجتهد أحد المجتهدين، سقط الطلب عن الباقين، وإن تركه الجميع أثموا.

وإما مندوب: وهو الاجتهاد بافتراض المسائل قبل حدوثها، واستنباط حكمها استعداداً لمواجهة الأحداث والاحتياط للنوازل، سواء سئل عنها المجتهد أو لم يسأل.

وإما حرام: وهو وقوع الاجتهاد في مقابلة نص قاطع من كتاب أو سنة أو في مقابلة الإجماع، وفيما عداه يكون جائزاً، كما يكون حراماً إذا كان صادراً ممن ليس أهلاً للاجتهاد، أو كان نتيجة الأهواء والشهوات والأغراض.

الفرق بين الاجتهاد والإفتاء وحكم الحاكم
الإفتاء[ر] أخص من الاجتهاد، فالاجتهاد استنباط الأحكام للمسائل سواء أكان السؤال في موضوعها أم لم يكن، فيشمل الاجتهاد في الوقائع النازلة، والمسائل الافتراضية أو المحتملة المتوقع حدوثها في المستقبل.

أما الإفتاء فإنه لا يكون إلا إذا كانت واقعة وقعت، ويتعرف الفقيه حكمها، وتتطلب الفتوى السليمة عدا توافر شروط الاجتهاد شروطاً أخرى، وهي معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة نفسية المستفتي، والجماعة التي يعيش فيها ليعرف مدى أثر الفتوى سلباً وإيجاباً.

والمفتي في الأصل هو المجتهد أو الفقيه الذي يكون أهلاً للاستدلال والاستنباط أو الترجيح أو التخريج، إلا أن لفظ المفتي أصبح في عصرنا يطلق على متفقهة المذاهب الذين يقتصر أمرهم على مجرد نقل نصوص كتب الفقه الإسلامي، وتطبيقها على الوقائع المستفتى عنها، وهذا الإطلاق من باب المجاز أو الحقيقة العرفية الموافقة لعرف الاصطلاح الحكومي والعوام.

وأما حكم الحاكم أو القاضي: فهو ما يصدره من حكم يفصل فيه في الخصومة الواقعة المرفوعة إليه، معتمداً على نصوص الشريعة الصريحة أو الظاهرة، أو فتوى الفقهاء، أو الاجتهاد فيما لا نص فيه. ويتميز بأن له صفة الإلزام أو الإجبار من جهة الدولة، وتتولى جهة التنفيذ المخصصة من قبل الدولة تنفيذ الأحكام القضائية بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية جبراً عن المحكوم عليه.

أما الاجتهاد والإفتاء: فليس لهما صفة الإلزام أو الجبر من قبل الدولة، وإنما يجب ديانة على المقلد أو المستفتي الذي ليس أهلاً للاجتهاد العمل بفتوى المجتهد أو الفقيه واتباع قوله في المسألة المستفتى فيها، لأن العمل بالظن الغالب واجب شرعاً، ولأنه لا سبيل إلى معرفة أحكام الشرع من غير طريق المجتهد.

محل الاجتهاد
هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، وعلى هذا تكون الأحكام الشرعية للاجتهاد، نوعين: ما يجوز الاجتهاد فيه، وما لا يجوز الاجتهاد فيه.

أما مالا يجوز الاجتهاد فيه فهو مايلي:
الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أي بالبداهة، والأحكام التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، مثل فريضة الصلوات الخمس، والصيام والزكاة والحج والشهادتين، وتحريم الزنا والربا والسرقة وشرب الخمر والقتل وأكل أموال الناس بالباطل، وحل البيع والزواج، ووجوب الوفاء، وإعطاء الذكر ضعف نصيب الأنثى في الميراث عند تساويهما في الدرجة، وإرثهما بالتعصب. وفرض العقوبات الشرعية كالحدود، والكفارات المقدرة وجميع المقدرات الشرعية التي لا مجال للرأي فيها، وثبتت بالسنة المتواترة، كأعداد الركعات ومواقيت الصلوات، ومقادير الزكوات، ومناسك الحج، ونحو ذلك من كل ما جاء في القرآن الكريم صراحة أو في الأحاديث المتواترة التي نقلتها جموع غفيرة جيلاً عن جيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا مساغ للاجتهاد في مورد النص.

والأحكام المقررة بإجماع سابق للعلماء، حتى لو لم يرد فيها نص قطعي، كتوريث الجدات السدس، وإباحة عقد الاستصناع ومنه المقاولة في عصرنا.

وأما ما يجوز الاجتهاد فيه فهو مايلي:
ما ورد فيه نص ظني الثبوت والدلالة معاً، أو ظني الثبوت أو ظني الدلالة، فإذا كان النص ظني الثبوت، كان مجال الاجتهاد فيه البحث في سنده وطريق وصوله إلينا وصحة ثبوته ودرجة رواته من العدالة (الاستقامة على أحكام الشرع) والضبط في النقل، فينظر المجتهد في ذلك ويحكم بعد البحث بصحة الحديث النبوي وضعفه. ومجال هذا السنة النبوية فقط، لأن القرآن الكريم قطعي الثبوت.

وإذا كان النص ظني الدلالة، كان الاجتهاد فيه بالبحث في معرفة المعنى المراد من النص وقوة دلالته على المعنى. ومجال هذا يكون في القرآن وفي السنة أيضاً فقد يكون النص عاماً أو مطلقاً أو وارداً بصيغة النهي أو الأمر، والعام قد يكون باقياً على عمومه، وربما يكون مخصصاً ببعض مدلوله، والمطلق قد يجري على إطلاقه، وقد يقيد ببعض القيود. والأمر وإن كان في الأصل للوجوب، فربما يُراد به الندب أو الإباحة، والنهي وإن كان حقيقة في التحريم، فأحياناً يصرف إلى الكراهة، وهكذا.

والقواعد اللغوية ومقاصد الشريعة هي التي يلجأ إليها لترجيح وجهة على ما عداها، وهذا سبب في اختلاف اجتهادات المجتهدين.

وإذا لم يكن في الحادثة نص أو إجماع:
حينئذ يبحث المجتهد عن حكم الحادثة بأدلة عقلية في ضوء مبادئ الشريعة وروح التشريع العامة، وهذا هو الاجتهاد بالرأي، ويتعرف على الحكم بالقياس أو الاستحسان أو المصالح المرسلة أو الاستصحاب أو العرف، ونحو ذلك من الأدلة المختلف فيها، ومجال الاجتهاد فيه أوسع من غيره، مثل شؤون الشورى ونظام الحكم، وقوانين الإجراءات والمرافعات ونحوها.

وقد أثمرت جهود الفقهاء في هذا المضمار ثماراً يانعة، وأنتجت ثروة كبرى من الأحكام الشرعية بالاجتهاد لا نظير لها، ويمكن تصنيفها في نوعين:

أحكام مستقرة ثابتة لا تختلف المصلحة فيها باختلاف الأحوال أو الأزمان.

وأحكام جزئية روعيت فيها مصالح الناس وأعرافهم، وهذه قابلة للتجديد والتغيير باختلاف المصالح والأعراف، بعكس النوع الأول.

تبدل الاجتهاد ونقضه
يجوز تبدل الاجتهاد إما من المجتهد نفسه أو من مجتهد آخر بسبب تغير الظروف والأحوال، والمصالح والأعراف والحاجات والأغراض، فللمجتهد تغيير اجتهاده، فيرجع عن قول قاله سابقاً، لأن مناط الاجتهاد هو الدليل، فمتى ظفر المجتهد به، وجب عليه الأخذ بموجبه، لظهور ما هو أولى بالأخذ به، مما كان قد أخذ به، ولأنه أقرب إلى الحق والصواب. جاء في كتاب عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري قاضيه على الكوفة: «ولا يمنعنَّك قضاء قضيتَه اليوم، فراجعتَ فيه نفسَك، وهُديت فيه لرشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل».

هذا من حيث المبدأ، لكن في مجال الحياة العملية، والإفتاء، والقضاء وفض المنازعات والخصومات بين الناس، قد يختلف الحكم، فيجوز نقض الاجتهاد السابق أحياناً ولا يجوز أحياناً أخرى.

فإذا كان المجتهد يجتهد لنفسه ورأى حكماً معيناً، ثم تغير ظنه، لزمه أن ينقض اجتهاده وما ترتب عليه، كأن يرى أن الخلع (فراق الزوجة على عوض منها) فسخ، فتزوج امرأة كان قد خالعها ثلاث مرات، ثم رأى بعدئذ أن الخلع طلاق، لزمه أن يفارق تلك المرأة، ولا يجوز له إمساكها، عملاً بمقتضى الاجتهاد الثاني، لأنه تبين أن الاجتهاد الأول خطأ، والثاني صواب، والعمل بالظن واجب شرعاً.

ولو كان المجتهد يرى أن الولي (كالأب أو الجد) ليس شرطاً في صحة عقد الزواج للمرأة الرشيدة، فتزوج امرأة من غير ولي، ثم رأى بعدئذ أن الولي شرط في صحة الزواج، لزمه مفارقة تلك المرأة، ولا يحل له البقاء على الزواج بها، ما لم يكن الحاكم قد حكم بصحة الزواج في الحالتين لأن حكم الحاكم لا ينقض، ولأن حكمه في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وقضائه.

وأما إذا كان المجتهد حاكماً، فقضى في واقعة بما اجتهد، ثم تغير اجتهاده في واقعة مماثلة، فإذا كان حكمه مخالفاً لدليل قاطع، من نص أو إجماع أو قياس جلي، فينقض باتفاق العلماء سواء من الحاكم نفسه، أو من أي مجتهد آخر، لمخالفته الدليل.

أما إذا كان حكمه في مجال الاجتهادات أو الأدلة الظنية، فإنه لا ينقض الحكم السابق؛ لأن نقضه يؤدي إلى اضطراب الأحكام الشرعية، وعدم استقرارها، وإضعاف الثقة بأحكام الحاكم، وهو مخالف للمصلحة التي عُيِّن الحاكم لها وهو الفصل في المنازعات.

ويؤيد ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بحرمان الإخوة الأشقاء من الميراث في بعض المسائل، لأن الفروض استوعبت جميع التركة، كما إذا مات شخص وترك زوجاً وأماً وإخوة لأم وإخوة أشقاء، ثم قضى عمر في مسألة مشابهة بالمقاسمة في الثلث بين الأخوة لأم والإخوة الأشقاء، فلما سئل عن سبب التفرقة، قال: «تلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي» فهو لم ينقض اجتهاده السابق، وإنما أقره.

وأما تغير الأحكام بتغير الأزمان: فهو أمر مقرر شرعاً إذا كانت الأحكام اجتهادية: قياسية أو مصلحية، متعلقة بالمعاملات المدنية التي لها صلة بشؤون الدنيا وحاجات التجارة والاقتصاد، وفي حدود المبدأ الشرعي، وهو إحقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد. أما الأحكام التعبدية والمقدرات الشرعية والأحكام الأصلية العامة، فلا تقبل التبديل مطلقاً، مهما تبدل المكان وتغير الزمان، كحرمة النساء المحارم، ووجوب التراضي في العقود، وضمان الضرر الذي يلحقه الإنسان بغيره، وسريان إقراره على نفسه من دون غيره، وعدم مؤاخذة بريء بذنب غيره، وهو مبدأ المسؤولية الفردية أو الشخصية.

وعامل التغير نوعان: إما فساد أو تطور، فقد تتغير الأحكام لتغير العرف أو المصالح أو للضرورة، أو لفساد الأخلاق وضعف الوازع الديني، أو لتطور الزمن وتنظيماته المستحدثة، أما الفساد، فهو كالإفتاء بجواز أخذ الراتب أو الأجر على تعليم القرآن والقيام بالشعائر الدينية كالإمامة والخطابة والآذان والإقامة، لتغير العرف بسبب انقطاع المكافآت من بيت المال عن هؤلاء. والحكم بتضمين الصناع والأُجَرَاء لأموال الناس التي تهلك في أيديهم، محافظة على الأموال من الضياع، وتحقيقاً لمصلحة المجتمع، ومثل ذلك جواز التسعير دفعاً للضرر العام عن الناس. والحكم بطهارة سؤر سباع الطير، كالصقر والغراب للضرورة؛ إذ لا يمكن الاحتراز منها بالنسبة لسكان البوادي. والإفتاء بتزكية الشهود لتغير أحوال الناس وفساد الذمم والضمائر.

وأما التطور، فهو كالإفتاء بصحة بيع العقار بذكر رقم المحضر في السجلات العقارية من دون حاجة لذكر الحدود من الجهات الأربع؛ والحكم بحصول تسليم العقار بمجرد تسجيل البيع في السجل العقاري أخذاً بهذا النظام الحديث بدلاً من التسليم الفعلي الذي لابد منه لإتمام البيع.
يتم التشغيل بواسطة Blogger.